هل الكلام مع الجن ومحاورته ضياع للوقت والراقي الذي يفعل هذا لا يفقه في الرقية



هل الكلام مع الجن ومحاورته ضياع للوقت والراقي الذي يفعل هذا لا يفقه في الرقية
*****************
قبل الاجابة على هذا السؤال انقل لكم كلام العلماء بخصوص الكلام مع الجن المتلبس ومخاطبته وسؤاله 
**************
السؤال : إذا أصيب إنسان بمس أو سحر فهل يمكن مخاطبة هذا الجني ودعوته إلى الإسلام ووعظه ، أم أن ذلك دجل وشعوذة ؟
الجواب:
الحمد لله
ليست مخاطبة الجن ووعظه ودعوته إلى الإسلام نوعاً من الدجل والشعوذة ، فذلك ممكن ، بل قد وقع ذلك كثيراً ، وأعلن كثير من الجن إسلامهم .
ولكن ... ليس معنى هذا أن كل من ادعى هذه الدعوى فهو صادق ، فقد يكون كاذباً ، لكن كذب بعض المشعوذين لا يجعلنا ننفي وقوع ذلك من بعض الناس .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/68، 69) عن شيخه ابن تيمية أنه كان يخاطب الجن ويعظه وينهاه عن الظلم ، وسيأتي نص كلامه إن شاء الله .
وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن امرأة كانت مصابة بمس من الجن وأن ذلك الجني أعلن إسلامه أمام الشيخ ، وقد أنكر ذلك بعض الناس فكتب الشيخ مقالاً يبين فيه خطأ هؤلاء المنكرين ، فقال بعد أن ذكر أن الجن أعلن إسلامه أمامه :
"وقد بلغني عن فضيلة الشيخ ..... أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب ، وأنه يمكن أن يكون كلاما مسجلا مع المرأة ولم تكن نطقت بذلك . وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه وعلمت منه ما ذكر ، وقد عجبت كثيرا من تجويزه أن يكون ذلك مسجلا مع أني سألت الجني عدة أسئلة وأجاب عنها ، فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب ، هذا من أقبح الغلط ومن تجويز الباطل ، وزعم أيضا في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان : (وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ولا شك أن هذا غلط منه أيضا هداه الله وفهم باطل فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان .
فقد أسلم جم غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم . . وقد أوضح الله ذلك في سورة الأحقاف وسورة الجن وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعتّه (أي خنقته) ، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فرده الله خاسئا. هذا لفظ البخاري ، وروى النسائي على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حتى وجدت برد لسانه على يدي ، ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس) .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير .
وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه ، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى ، بل تقليدا لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة؟ فالله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله .
بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) .
قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله : يعني بذلك يتخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه (من المس) يعني : من الجنون .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه : أي : لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس . ا هـ .
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده . وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين" الموجود في "مجموع الفتاوى" جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق : ( ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن ، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك . ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (وهذا مبسوط في موضعه ) .
وقال أيضا رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276- 277 ما نصه . ( وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : ( قلت : لأبي إن أقواما يقولون : إن الجني لا يدخل بدن المصروع ، فقال : يا بني ، يكذبون . هو ذا يتكلم على لسانه ) ، وهذا الذي قاله أمر مشهور ، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما ، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله ، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع ، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ) . ا هـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [زاد المعاد في هدي خير العباد] جـ 4 ص 66 إلى 69 ما نصه :
"الصرع صرعان : صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة ، والثاني : هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه .
وأما صرع الأرواح . فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه . ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع أثارها ، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه . فذكر بعض علاج الصرع . وقال : ( هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة ، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج .
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلةً فأولئك ينكرون صرع الأرواح ، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل ، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك ، والحس والوجود شاهد به ، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها .
إلى أن قال : وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده ، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم .
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع ، وأمر من جهة المعالج ، فالذي من جهة المصروع : يكون بقوة نفسه . وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها . والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان . فإن هذا نوع محاربة . والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين : أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا ، وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل . فكيف إذا عدم الأمران جميعا ، ويكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ، ولا سلاح له .
والثاني من جهة المعالج : بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا ، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله : ( اخرج منه ) أو يقول : ( بسم الله ) أو يقول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اخرج عدو الله ، أنا رسول الله .
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه . ويقول قال لك الشيخ : اخرجي ، فإن هذا لا يحل لك ، فيفيق المصروع ، وربما خاطبها بنفسه ، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب . فيفيق المصروع ولا يحس بألم ، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا . . . إلى أن قال : وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة ، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية ، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا . . ) . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي ، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك .
تنبيه:
قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفا لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة ص أنه قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة ، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي .
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق ، واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه ، والثبات عليه ، وأن يمن علينا جميعا بإصابة الحق في الأقوال والأعمال ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن إنكار ما لم نحط به علما ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان" انتهى باختصار .
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" الشيخ ابن باز (3/299-308) .
************************************************************
* آراء أهل العلم والمتخصصين في ( الحوار مع الجن والشياطين ) :
إن مسألة التحدث مع الجن والشياطين ليس لها دليل شرعي ، بمعنى أنه لم يردنا دليل واحد من الكتاب أو السنة على ذلك ، ولكن الأمر واقع وقد ورد لنا بالتواتر سواء من المتقدمين أو المتأخرين ، وعليه أنقل كلام أهل العلم في ذلك :
* قال شيخ الإسلام بن تيمية : ( فيخاطب الجن بذلك ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 )
*********************
ابو البراء ياسين المعاني
***************************************************************
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - : ( وقسم آخر - يعني الصرع - بسبب الشياطين والجن يتسلط الجني على الإنسي ؛ فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ، ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه ، الذي يسمع الكلام يقول أن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني ، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير بسبب نطق الجني 0
هذا النوع من الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات 0 هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير 0
أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي 0 وأحيانا لا يتكلم وقد ثبت هذا !! أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع ) ( شرح رياض الصالحين – 1 / 177 ، 178 )
*************************************************
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركا أو سحرا ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون ، والله أعلم ) ( الفتاوى الذهبية – جزء من فتوى – ص 198 )
************************************************************
قال صاحبا كتاب " كيفية إخراج الجان من بدن الإنسان " : ( ففي هذه الحالة يتم التعامل والتخاطب مع الجني ويؤمر بالخروج ولا يكثر المعالج في التخاطب معه فيما لا يفيد لكي لا يأنس الجن له ويموه عليه ، فيزجر ) ( كيفية إخراج الجان من جسم الإنسان – ص 66 )
***********************************************************
وقد ثبت لدي هذا الأمر بالأدلة القطعية من المشاهدة والمعاينة التي لا يمكن معها إنكار هذه المسألة أو ردها ، فأصبح الأمر ثابتا عقلا ونقلا ، إلا أنه لا يجوز التعدي على القاعدة الأساسية التي تضبط هذا الأمر وهي قاعدة ( أن الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز التوسع في المحاورات التي قد تفضي إلى مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله 0
وأورد كلاما يؤيد ذلك لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - نقلته مجلة المجتمع الكويتية حيث تقول : نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها ، في شعبان من عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن ، الذي تلبس ببعض المسلمات في ( الرياض ) إسلامه عندي ، بعد أن أعلن ذلك – كذلك – عند الأخ عبدالله مشرف العمري المقيم في الرياض ، بعد أن قرأ المذكور على المصابة ، وخاطب الجني ، وذكره بالله ، ووعظه ، وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة ، ودعاه إلى الإسلام ، بعد أن أخبره الجني أنه كافر ، كما دعاه للخروج من المرأة 0 فاقتنع الجني بالدعوة ، وأعلن إسلامه عند عبدالله المذكور 0
ثم رغب عبدالله المذكور وأولياء المرأة أن يحضروا عندي مع المرأة ، حتى أسمع إعلان إسلام الجني 0
فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله ؟ فأخبرني بالأسباب 0 ونطق بلسان المرأة ، لكنه كلام رجل ، وليس كلام امرأة 0 وهي في الكرسي الذي بجواري ، وأخوها وأختها وعبدالله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ، ويسمعون كلام الجني 0
وقد أعلن إسلامه صريحا ، وأخبر أنه هندي بوذي الديانة 0 فنصحته وأوصيته بتقوى الله ، وأن يخرج من المرأة ، ويبتعد عن ظلمها ، فأجابني إلى ذلك 0 وقال : إنه مقتنع بالإسلام 0 وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعد ما هداه الله له ، فوعد خيرا وغادر المرأة 0وكان آخر كلمة قالها : السلام عليكم 0
ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد ، وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه 0 ثم عادت إليَّ بعد شهر أو أكثر مع أخويها وخالها وأختها ، وأخبرتني أنها في خير وعافية ، وأنه لم يعد إليها والحمد لله 0 وسألتها عما كانت تشعر به حين وجوده بها ؟ فأجابت : بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع ، وتشعر بميول إلى الدين البوذي ، والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه 0 ثم بعدما سلمها الله منه ، زالت عنها هذه الأفكار ، ورجعت إلى حالها الأولى البعيدة من هذه الأفكار المنحرفة ) ( مجلة المجتمع – العدد 830 – بتاريخ 18 آب من السنة 1987 م ) 0
قلت : وكلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – يؤكد ويؤصل مفهوم دعوة الجن والشياطين إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومثل ذلك الحوار جائز بل قد يصبح واجبا شرعيا إذا اقتضته المصلحة الشرعية ، مع تركيز المعالِج في تلك الحوارات على هذا الجانب دون الخوض في الأمور التي لا فائدة منها البتة ، أو تلك التي يترتب عليها مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه وتعالى ، والقصد من الكلام السابق أن تنضبط كافة تلك الحوارات بالضوابط الشرعية وتكون وفق القاعدة الفقهية الأصولية ( الضرورة تقدر بقدرها ) والله تعالى أعلم
ابو البراء ياسين المعاني
*************************
قال صاحبا كتاب " مكائد الشيطان " : ( قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفاً لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه السلام : ( وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) ( سورة ص – الآية 35 ) 0
وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة ، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي ) ( مكائد الشيطان – ص 110 )
***************************************************************
وبعد هذا العرض الشامل والمفصل لأقوال أهل العلم والباحثين يتضح جواز الحوار مع الجن والشياطين بما تمليه المصلحة الشرعية دون تفصيل وبحث لا فائدة من وراءه 0
ومن هنا تبدأ مرحلة الحوار ما بين المعالِج وبين الجني الصارع ، ولا بد للمعالِج من توخي الأمور التالية :
1- تركيز الحوار على ما تقتضيه المصلحة الشرعية :
فقط وضمن نطاق شرعي ضيق ومحدود وللضرورة التي تقدر بقدرها ، دون الخوض في أية أمور ليس لها علاقة بالعلاج أو تؤدي لمفاسد شرعية أو اجتماعية لا يحمد عقباها 0
2- التركيز على إيضاح العقيدة الصحيحة :
بقوة ورباطة جأش وثقة لا يشوبها الشك أو التردد 0
3- الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى :
مستخدما بعض القواعد الرئيسة في الدعوة ، ومنها :
أ )- الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة :
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) ( سورة النحل – الآية 125 ) 0
ب)- الدعوة بالرفق واللين :
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( سورة آل عمران – الآية 159 ) 0
ويجب على المعالِج الاهتمام بجانب الدعوة بسبب أن الجن مكلفون بإجماع أهل النظر 0
قال الشبلي : ( قال أبو عمر بن عبدالبر : الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى : ( فَبِأَيِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ( سورة الرحمن – 157 ) 0
وقال أيضا : ( قال القاضي عبد الجبار : لا نعلم خلافا بين أهل النظر في أن الجن مكلفون ) ( أحكام الجان – ص 53 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تحت عنوان " دعوة الإسلام شاملة للإنس والجن " : ( والمقصود هنا : أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة للثقلين الإنس والجن على اختلاف أجناسهم ، فلا يظن أنه خص العرب بحكم من الأحكام أصلا ، بل إنما علق الأحكام باسم مسلم وكافر ، ومؤمن ومنافق ، وبر وفاجر ، ومحسن وظالم00وغير ذلك من الأسماء المذكورة في القرآن والحديث ) ( البيان المبين في أخبار الجن والشياطين – ص 37 ، 38 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن إمكانية أن يهتدي جن على يدي إنس إذا سمع موعظة أو ذكرى ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( نعم ، فقد سمعوا القرآن : ( 000 فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانًا عَجَبًا 000 ) ( سورة الجن – الآية 1 ، 2 ) ، وقال : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) الآية ، ولا شك أن منهم الصالحون ومنهم دون ذلك ، ومنهم المسلمون ومنهم القاسطون ، فقد يهتدي بعضهم بالدعوة إلى الدين وكذا يستقيم بالموعظة والتذكير خاصة أو عامة ، والله أعلم ) ( مخطوطة بخط الشيخ ) 0
قلت : فالواجب يحتم على المعالِج أن يدعو تلك الأرواح إلى الإسلام وأن يستخدم في دعوته معها القواعد الرئيسة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يجبرها على الإسلام إن أبت ذلك ، وقد يرى بعض المعالِجين أن دعوة الجن والشياطين إلى الإسلام لا بد أن يمضي دون إكراه مستشهدا بقول الحق جل وعلا : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( سورة البقرة – الآية 256 ) ، يعقب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - على ذلك قائلا :
( الآية المذكورة منسوخة أو مختصة بأهل الكتاب والمجوس إذا بذلوا الجزية ، فالواجب أن يبين للجني الكافر ، وأنه يجب عليه الدخول في الإسلام ويحرم عليه البقاء على الكفر لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الأخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) ( سورة آل عمران – الآية 85 ) 0 ويبين له تحريم الظلم وأن بقاءه في هذا الإنسان من الظلم ) ( قتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 136 ) 0
4)- عدم الانصياع لأية أوامر أو إرشادات تمليها تلك الأرواح الخبيثة :
وقد تكون تلك الأوامر على النحو التالي :
أ )- أوامر كفرية شركية ، مقابل مفارقة الأرواح الخبيثة لجسد المريض ومنها :
1- الذبح لغير الله سبحانه ، كالذبح للجن ، أو الذبح للساحر ونحوه 0
2- تعليق بعض التمائم الكفرية 0
3- السفر لأضرحة بعض الأولياء والصالحين بزعمهم 0
قلت : إن المؤمن الحق يعتقد اعتقادا راسخا بأن طريق الخلاص والنجاة لعلاج الأمراض الروحية يكمن في العودة الصادقة للمنهل الحقيقي العذب والمتمثل في الكتاب والسنة والتمسك بهما والعض عليهما بالنواجد ، أما استرضاء الجن والشياطين بذبح أو تعليق تمائم كفرية أو زيارة أضرحة الأولياء والصالحين بزعمهم ونحو ذلك من أمور مناقضة للعقيدة ، كل ذلك يعتبر من نواقض الإيمان التي تدخل صاحبها بالكفر والشرك والخروج من هذا الدين بالكلية 0
إن العودة الصادقة ، والتبعية الحقة ، والمحبة الراسخة تؤكد على المؤمن اتباع الحق والتمشي بطريقة أهل السنة والجماعة ( منهج السلف الصالح ) وهذا ما يؤدي بالتأكيد إلى الفلاح والنجاح في الدارين الدنيا والآخرة 0
ب)- أوامر من المعاصي والمخالفات الشرعية لمفارقة الأرواح الخبيثة لجسد المريض ، ومنها :
1- اقتراف بعض المنهيات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فعلها ، كقتل الضفدع أو الهدهد أو قطع شجر السدر ونحوه 0
2- الطلب من المريضة التبرج والتزين والتعطر ، والخروج سافرة أمام الرجال والنساء 0
3- الطلب من المريضة التراقص والتمايل على أنغام مزامير الشيطان 0
ج )- أمور مباحة مقابل مفارقة الأرواح الخبيثة لجسد المريض ، ومنها :
1- طلب مال ونحوه 0
2- طلب بعض الأمور العينية كعباءة أو حذاء ونحوه 0
فواجب المعالِج التنبه لهذه الأمور وعدم الانصياع لأية أوامر سواء خالفت أو لم تخالف الشريعة دون السماح لتلك الأرواح الخبيثة في الحديث أو الخوض في هذا الموضوع ، ولا بد للمعالِج أن يضع نصب عينية أن الجني الصارع هو ظالم مستبد قد تسبب في إيذاء وصرع المريض ، ولا بد أن يخرج دون قيد أو شرط 0
5)- عدم الاستهزاء بالجن والسخرية منهم :
ولا بد للمعالِج أن يجعل نصب عينيه دعوتهم ، وإيضاح الحق لهم بالوسائل والأساليب الشرعية المتاحة ، دون اللجوء إلى أسلوب السخرية الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية على المريض وقد تصل آثاره إلى المعالِج نفسه ، وكذلك لا بد للمعالِج من تحذير المرضى والعامة من الاستهزاء والسخرية بالجن وذكرهم في مجالسهم بما لا ينفع ونحوه ، لما في ذلك من إثم عظيم ومخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى ومنهجه ، ولما قد يؤدي من إيذاء الجن للإنس نتيجة الخوض في هذا الأمر والاسترسال فيه
***************************************************************
ابو البراء ياسين المعاني
**************************
قال ابن القيم: حدثني - يعني: شيخ الإسلام - أنه قرأ مرّة هذه الآية في أُذن المصروع، فقالت، يعني: الجنيَّة: نعم، ومدَّ بها صوته، أي قالت: نَعَامْ تمدّ صوتها بذلك، فقال: - أي: شيخ الإسلام ابن تيمية - فأخذت له عصا وضربته بها في عروق عنقه حتى كلَّت يدي من الضرب وفي أثناء ذلك قالت؛ أي: الجنيَّة التي فيه: أنا أحبه ؟ فقال لها شيخ الإسلام: هو لا يحبك، قالت: أنا أريد أن أحج به ؟ قال شيخ الإسلام: هو لا يريد أن يحج معك، قالت؛ أي: الجنية: أنا أدعه كرامة لك ؟ قال شيخ الإسلام: قلت: لا، ولكن دعيه طاعة لله ورسوله، قالت: فأنا إذن أخرج، فقعد المصروع يلتفت يمينًا وشمالاً وقال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ(م1) ؟
هذا كلام ابن القيم - رحمه الله - عن شيخه، وقال ابن مفلح في كتاب [ الفروع ] وهو - أي: ابن مفلح من تلاميذ شيخ الإسلام البارزين في معرفة أقواله في الفقه - قال: كان شيخنا إذا أُتي بالمصروع وعظَ مَن صرعه وأمره ونهاه فإذا انتهى وفارق المصروع أخذ عليه العهد ألا يعود وإن لم يأتمر ولم ينتهِ ولم يفارقه ضربه حتى يفارقه والضرب في الظاهر على المصروع وإنما يقع في الحقيقة على مَن صرعه(م2) .
*****************************************************
كل هذه النقولات تدل دلالة واضحة على خطأ ومجانبة الصواب لمن بدع وضلل من يسأل الشيطان المتلبس ويحاوره ويدعوه للإسلام والله تعالى اعلم

لا تنسى دعمنا بلايك إن أفادك الموضوع و شكرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحدث مع الراقي عبد العالي المغربي